أضواء الزلازل.. هل لها من تفسير علمي أم أنها نتاج سلاح جديد تم تطويره؟

الصورة الأكثر شهرة لأضواء الزلزال التي التقطت فوق جبل كيميو في اليابان عام 1968 (كريباياسي/ سيزمولوجيكال ريسيرتش ليترز)

يوجد تفسير علمي لهذه الظاهرة الطبيعية التي تصاحب الزلازل العنيفة التي تحدث شقوقا في القشرة الأرضية، وقد تم رصد هذه الأضواء في زلازل سابقة وقعت في أكثر من مكان، ورصدها شهود عيان على مدى عدة قرون، وتمت تسميتها "أضواء الزلازل".



في السادس من فبراير/شباط الجاري، ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا زلزال عنيف بلغت شدته 7.8 درجات على مقياس ريختر، خلّف ما يزيد على 41 ألف قتيل و85 ألف مصاب، وأدى إلى انهيار نحو 7 آلاف بناية سكنية، وأحدث شقوقا أرضية، ونجم عنه انزياح الأرض عدة أمتار ناحية الغرب.

أضواء ساطعة غامضة

بالتزامن مع حدوث الزلزال، سجلت عديد من الكاميرات المتفرقة ظهور أضواء زرقاء ساطعة تشبه البرق في المناطق التي ضربها الزلزال، وقد حيرت هذه الظاهرة المشاهدين وتضاربت الآراء والتفسيرات بين كونها مجرد عاصفة رعدية، خاصة أن المنطقة كانت تعيش منخفضا جويا وعاصفة ثلجية، أو أنها انفجارات في خطوط الكهرباء.

وادعى البعض أن الزلزال مفتعل بواسطة البرنامج التابع لحلف شمال الأطلسي (ناتو) المعروف بـ"برنامج الشفق القطبي النشط العالي التردد" (High-frequency Active Auroral Research Program) المعروف اختصارا بـ"هارب" (H.A.A.R.P)، وأن الأضواء الساطعة هي دليل ذلك، فما حقيقة هذه الأضواء؟

بمراجعة التسجيلات بدقة، يظهر أن الأضواء الساطعة التي ظهرت في أثناء الزلزال كان مصدرها الأرض وليس السماء، ومن ثم فإن افتراض أن الضوء مجرد برق مصاحب للعاصفة الثلجية افتراض غير صحيح، حيث إن مصدر الضوء هو الأرض ثم انعكس على غيوم السماء، ويظهر بوضوح أن اتجاه الضوء الساطع من أسفل إلى أعلى وليس العكس.

أما فرضية أن الضوء انفجار في خطوط الكهرباء يمكن الرد عليه بأن الأضواء شوهدت أيضا خارج المناطق السكنية بعيدا عن خطوط التمديدات الكهربائية ومحطات الكهرباء، كما أنها لم تتبعها أي حرائق، بل كانت ومضات من الضوء الساطع التي تظهر ثم تختفي في مكان لتعاود الظهور والاختفاء في مكان آخر بشكل متوال، واستمرت في الظهور حتى بعد أن انقطعت الكهرباء عن المنطقة.

سلاح من نوع جديد؟

أما افتراض أن هذه الأضواء سببها هو برنامج "هارب"، فهي فرضية لا يوجد عليها أي دليل علمي، إذ إنه برنامج يستخدم جهاز إرسال عالي الطاقة وعالي التردد لدراسة خصائص وسلوك الأيونوسفير، ولا يمكن أن يكون مسؤولا عن الزلزال في تركيا أو في أي مكان، لأنه لا يملك مثل تلك القدرات، بحسب ما ذكره موقع التحقق من المعلومات التابع لوكالة أنباء رويترز.

ووفقا لقسم الأسئلة الشائعة بموقع هارب، فإن البرنامج لا يمكنه التحكم في الطقس أو التلاعب به، وقالت جيسيكا ماثيوز مديرة برنامج هارب في جامعة "ألاسكا فيربانكس" (University of Alaska Fairbanks) لوكالة رويترز إن "معدات في موقع هارب لا يمكن أن تخلق أو تضخم الكوارث الطبيعية"، فهو جهاز إرسال لاسلكي أكبر من معظم أجهزة الإرسال اللاسلكية الأخرى، وفقا لديفيد هايسل أستاذ الهندسة في "جامعة كورنيل" (Cornell University)، وليس من الممكن نظريا لجهاز "هارب أن يخلق زلازل".

ظاهرة طبيعية

في الواقع، يوجد تفسير علمي لهذه الأضواء التي يمكن اعتبارها ظاهرة طبيعية تصاحب الزلازل العنيفة التي تحدث شقوقا في القشرة الأرضية، وقد تم رصد هذه الأضواء أيضا في زلازل سابقة وقعت في أكثر من مكان، ورصدها شهود عيان على مدى عدة قرون، وتمت تسميتها "أضواء الزلازل" (Earthquake Lights)، إلا أن العلماء لم يستطيعوا التأكد من أسبابها بشكل دقيق لعدة أسباب.

يذكر مقال على موقع "ناشونال جيوغرافيك" (National Geographic) -نُشر يوم 19 أبريل/نيسان 2019- أنه في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 أبلغ الناس عن كرة أرجوانية زهرية زاهية من الضوء على طول نهر سانت لورانس في كيبيك بكندا، قبل 11 يوما من وقوع زلزال قوي، وفي بيسكو بدولة بيرو عام 2007، كانت الأضواء ومضات ساطعة أضاءت السماء تم التقاطها في فيديو كاميرا المراقبة قبل وقوع زلزال قوته 8 درجات.

وقبل زلزال 2009 في لاكويلا بإيطاليا، شوهدت ألسنة اللهب بطول 10 سنتيمترات تومض فوق طريق حجري، وعندما ضرب زلزال بقوة 8.1 درجات المكسيك عام 2017، ظهرت صور مخيفة لأضواء خضراء وزرقاء في السماء على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعام 2014 قام فريدمان فرويند، أستاذ الفيزياء المساعد في جامعة "ولاية سان خوسيه" (San Jose State University) والباحث الأول في مركز أبحاث "أميس" (Ames Research Center) التابع لوكالة الفضاء الأميركة "ناسا" (NASA)، بنشر نتائج بحثية توصل إليها هو وزملاؤه في دورية "سيزمولوجيكال ريسيرتش ليترز" (Seismological Research Letters)، تفيد بأنه عند تحليل 65 حادثا ضوئيا للزلازل، افترض فرويند وزملاؤه أنها ناتجة عن الشحنات الكهربائية التي يتم تنشيطها في أنواع معينة من الصخور في أثناء النشاط الزلزالي.

عندما تصل إلى سطح الأرض الشحنات الناتجة عن تصادم الصخور وتتفاعل مع الغلاف الجوي تخلق توهجا (شترستوك)

ضغط الصخور

ويذكر المقال أن صخور البازلت والغابرو، على سبيل المثال، تحتوي على شوائب صغيرة في بلوراتها يمكن أن تطلق شحنات كهربائية في الهواء، وقد قدّر العلماء أن الظروف التي أدت لنشوء الأضواء موجودة في أقل من 0.5% فقط من الزلازل في جميع أنحاء العالم، وهو ما يفسر سبب ندرة هذه الزلازل نسبيا، كما أشاروا إلى أن أضواء الزلزال تظهر بشكل أكثر شيوعا قبل الزلازل أو في أثنائها، وليس بعدها.

ويرى مؤلفو الدراسة أنه في أثناء الزلزال، فإن ضغط الصخور التي تتصادم يولد شحنات كهربائية تنتقل صعودا على طول الصدوع الجيولوجية شبه العمودية الشائعة في مناطق الصدع، وعندما تصل الشحنات إلى سطح الأرض وتتفاعل مع الغلاف الجوي، فإنها تخلق توهجا.

ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة روبرت تيريولت، عالم الجيولوجيا في وزارة كيبيك للموارد الطبيعية، إن "أضواء الزلازل ظاهرة حقيقية، فهي ليست أجساما غريبة الأطوار، ويمكن شرحها علميا".

تفاعل كيميائي

يعتقد فرويند أن الأمر كله يبدأ بعيوب في صخرة، حيث تفقد ذرات الأكسجين داخل التركيب الكيميائي للمعدن إلكترونا، وعندما يضرب إجهاد الزلزال الصخر فإنه يكسر الروابط الكيميائية المتضمنة في هذه العيوب، ويحدث ثقوبا ذات شحنة كهربائية موجبة، ويمكن أن تتدفق سلسة "الثقوب الموجبة" عموديا من خلال الصدع إلى السطح، مما يؤدي إلى إنشاء مجالات كهربائية محلية قوية يمكن أن تولد الضوء.

مؤشر مبكر

وقد أظهرت التجارب المعملية أنه يمكن توليد المجالات الكهربائية في أنواع معينة من الصخور عن طريق الضغط، لكن فكرة فرويند هي مجرد واحدة من عديد من الآليات الممكنة لشرح أضواء الزلازل.

من ناحيته، يقول جون إبل، عالم الجيوفيزياء في كلية "بوسطن" (Boston College) في ولاية ماساشوستس وهو لم يشارك في دراسة فرويند، "هذا منطقي بما فيه الكفاية، لكن هذا لا يعني أنه صحيح".

بشكل عام، قد يؤدي هذا الحديث عن أضواء الزلازل إلى زيادة الوعي بها كتحذير محتمل من الزلزال، كما يقول تيريولت، فقد نبهت هذه الظاهرة الناس من قبل بالقرب من لاكويلا في إيطاليا أبريل/نيسان 2009، عندما رأى رجل ومضات بيضاء تنعكس على أثاث مطبخه في الساعات الأولى من الصباح وأخذ عائلته إلى الخارج، وبعد ساعتين حدث الزلزال المدمر.

المصدر : مواقع إلكترونية

إرسال تعليق

أحدث أقدم